الرسوم الجمركية الجديدة- واقع تجاري جديد أم ارتياح مؤقت؟

المؤلف: ترجمة: جنى الدهيشي08.10.2025
الرسوم الجمركية الجديدة- واقع تجاري جديد أم ارتياح مؤقت؟

في حقبة مضت، كان مجرد التفكير في فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على جميع البضائع المستوردة من شريك تجاري بارز كاليابان، كفيلًا بإحداث هلع شديد في أوساط الأسواق المالية، وذلك نظرًا لكونها نسبة تتجاوز بكثير المستويات المعهودة في العصر الراهن، ومن شأنها أن تثير موجة عارمة من المخاوف الاقتصادية.

لكن الوضع الراهن يشير إلى تحول لافت، إذ بات هذا الاحتمال، على عكس المتوقع، بمثابة عامل باعث على الارتياح النسبي.

يشير موقع "أكسيوس" إلى أن الرئيس ترمب قد غيّر بشكل جوهري مسار الحروب التجارية، حيث أصبحت الأسواق المالية والجهات الصناعية على حد سواء تتقبل حقيقة أن الرسوم الجمركية المكونة من رقمين قد أضحت واقعًا جديدًا لا مفر منه.

ففي ظل وجود نسبة 25% مطروحة على بساط البحث، تصبح نسبة 15% بمثابة نبأ يثلج الصدر ويبعث على الطمأنينة – وذلك على الرغم من كونها أعلى بخمسة أضعاف من الرسوم التي كانت سارية قبل تولي ترمب منصبه، وتفوق بكثير نسبة الـ 10% التي كانت محور النقاش خلال فصل الربيع المنصرم.

وفي هذا السياق، أشار توبين ماركوس، رئيس قسم السياسات الأمريكية في شركة "وولف ريسيرتش"، إلى أن نسبة الـ 15% التي تم التوصل إليها في الاتفاق مع اليابان تمثل "أرضية جديدة للتعريفات الجمركية على المستوى العالمي".

وأضاف ماركوس أن هذه النسبة تعتبر "أفضل ما يمكن أن تطمح إليه أوروبا"، في حين أن النسب التي تراوحت بين 19% و20%، والتي شهدتها اتفاقيات آسيوية أخرى، قد تصبح بمثابة المعيار القياسي للدول التي لا تقدم عروضًا استثنائية للإدارة الأمريكية، على غرار ما فعلته اليابان.

وتظهر الصورة الأكبر أنه من المحتمل أن تخضع شريحة واسعة من السلع الأجنبية لضريبة استيراد لا تقل عن 15%، وقد تصل في بعض الحالات إلى 20%.

هذا المعدل يتجاوز بكثير سابقه البالغ 10%، والذي كان يبدو معقولًا ومنطقيًا قبل أسابيع قليلة فقط، إلا أنه يعتبر في الوقت ذاته بمثابة تطور إيجابي لبعض الدول، وعلى رأسها اليابان، حيث كانت البضائع اليابانية مهددة بالخضوع لرسوم جمركية باهظة بنسبة 25% في غضون الأسبوع المقبل، لولا التوصل إلى هذا الاتفاق في اللحظات الأخيرة.

ومما يثير الاهتمام أن مسؤولي البيت الأبيض يؤيدون هذه الديناميكية بشكل علني، مشيرين إلى أن بعض الدول قد نجت بأعجوبة من معدلات أعلى بكثير. فعلى سبيل المثال، أوضح مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية يوم الثلاثاء أن إندونيسيا ستُفرض عليها رسوم أعلى من تلك المفروضة في 20 يناير، لكنها ستظل أقل من نسبة الـ 32% التي كانت مهددة بها في 2 أبريل.

وقد صدر النص الكامل لاتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة وإندونيسيا يوم الثلاثاء، ليؤكد أن الصادرات الإندونيسية إلى أمريكا ستخضع لرسوم جمركية بنسبة 19%، وهي نسبة تقل بشكل ملحوظ عن التهديدات السابقة.

ومع ذلك، لا يزال الغموض يكتنف طبيعة المكاسب التي ستحققها الولايات المتحدة في المقابل. فكل من اليابان، وإندونيسيا، والفلبين، أعلنت عن نيتها فتح أسواقها أمام الصادرات الأمريكية، لكن لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان المستهلكون الأجانب لديهم الرغبة الحقيقية في شراء السلع المصنّعة في الولايات المتحدة.

وقد صرّح ترمب بأن اليابان ستضخ استثمارات ضخمة تقدر بنحو 550 مليار دولار داخل الولايات المتحدة، مع احتفاظ أمريكا بنسبة 90% من الأرباح المتأتية من هذه الاستثمارات، لكن لا تزال تفاصيل هذا الاستثمار الضخم غير واضحة المعالم حتى الآن.

ويعتبر رد فعل الأسواق المالية على الاتفاق مع اليابان خير دليل على حقيقة الوضع الراهن. فعلى الرغم من أن هذه التعريفات أعلى بكثير من التوقعات التي كانت سائدة في بداية عهد ترمب، إلا أنها أدت إلى انتعاش عالمي في أسواق الأسهم، وإلى زيادة ملحوظة في عوائد السندات اليابانية.

فقد ارتفع مؤشر نيكاي 225 بنسبة 3.5% يوم الأربعاء، وشهدت أسهم شركات السيارات على وجه الخصوص مكاسب قوية، حيث قفزت أسهم شركة تويوتا بنسبة 14%، وارتفعت أسهم شركة هوندا بأكثر من 11%. كما ارتفع عائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 10 سنوات بمقدار 0.09 نقطة ليصل إلى 1.6%.

ويرى المستثمرون، من جانبهم، أن هذا الاتفاق التجاري سوف يساهم في الحفاظ على استقرار النشاط الاقتصادي في اليابان، وسيجعل البيئة أكثر استقرارًا وتهيئة لقطاعات التصدير الحيوية، وعلى رأسها صناعة السيارات.

وهذا بدوره يسهل على بنك اليابان مهمة رفع أسعار الفائدة خلال فصل الخريف القادم، حيث أن أحد المخاطر السلبية الرئيسية التي كانت تهدد الاقتصاد - والمتمثلة في احتمال انخفاض الطلب من الولايات المتحدة - قد تبددت في الوقت الحالي.

وقد كتبت أياكو فوجيتا، الخبيرة الاقتصادية في بنك جيه بي مورجان، في مذكرة بحثية: "تزيد هذه الاتفاقية من احتمالية أن يكون معدل الرسوم الجمركية الفعلي المفروض على اليابان أقل من المعدل المفروض على منافسيها. وقد يعود ذلك بفوائد جمة على المدى الطويل على قطاع التصنيع الياباني".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة